
Debating Ideas is a new section that aims to reflect the values and editorial ethos of the African Arguments book series, publishing engaged, often radical, scholarship, original and activist writing from within the African continent and beyond. It will offer debates and engagements, contexts and controversies, and reviews and responses flowing from the African Arguments books.

مهاجرون في حدايق ماكسويل ببلجيكا @PICUM
سوزان جاسبرس ودلال رجب
ترجمة راشد عبد الوهاب علي
“أعيش في مسكن مهجور في بروكسل، وهو أفضل من العيش في الشارع مثلما كان الحال قبل جائحة كرونا. حتى وإن تقدَّمت للجوء فليس بوسعي الحصول على ملجأ من الدولة، بسبب أنني سَبَق وأن تقدَّمت بطلب وأُخذت بصماتي في فرنسا. في الواقع، فإن التقديم للجوء بالنسبة لي هو أمر في غاية الصعوبة لأنه ليس متاحاً إلا عبر الإنترنت، ولا أملك هاتفاًذكياً ولا حتى بريد إلكتروني. وإذا أردت خرق إجراءات دبلن عليَّ أن أقدم عنواناً رسمياً في بلجيكا والانتظار لمدة 6 أشهر، وإذا لم يكن لديَّ عنوان فعلي الانتظار في الشوارع لمدة 18 شهراً، والخيار الوحيد المتاح لدي هو البقاء في المعسكر دون حماية وبالحد الأدنى من الحقوق، أو محاولة الدخول إلى المملكة المتحدة (سوداني في بروكسل).
هذا الاقتباس لأحد السودانيين في بلجيكا. بالطبع الخيار الإضافي سيكون العودة الطوعية إلى السودان. إلا أنه وبالرغم من أن الحكومة في السودان قد تغيَّرت، فإن السودانيين الذين تحدثنا إليهم في بروكسل يشعرون أن الأزمة الاقتصادية، والوضع السياسي الهش، والعنف المستمر في إقليم دارفور، تجعل من الوضع ليس آمناً للعودة. هذا الشعور يتضخم بحضور محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع والمسؤول عن الانتهاكات في دارفور، في قلب الحكومة الانتقالية.
كانت المملكة المتحدة لفترة طويلة هي الوجهة المفضلة للمهاجرين واللاجئين السودانيين (صلات استعمارية، روابط أسرية)، ولكن استحالة الوصول إلى المملكة المتحدة بطريقة قانونية لطلب اللجوء نتج عنه تركيز تجميع السودانيين أولاً في فرنسا، ثم الآن في بلجيكا. ومن هنا يحاول البعض حظوظهم للوصول إلى المملكة المتحدة، ومؤخراً القليل تقدموا بطلبات اللجوء. هذه التدوينة أولاً تُسلِّط الضوء على الأسباب التي تجعل السودانيين يعلقون في بلجيكا، وثانياً تبحث في المخاطر التي يواجهونها؛ الظروف المعيشية البائسة التي يعيشونها، وثالثاً كيف تضخمت هذه الظروف خلال جائحة كوفيد-19، وأخيراً تضع التدوينة في الاعتبار ما الذي نحتاج لفعله، وما الذي نحتاج لمعرفته لحمايتهم ومساعدتهم على نحو أفضل.
الهجرة السودانية إلى أوروبا وصلت إلى قمتها بين 2014 و2016، إبان ما عُرِف بأزمة اللاجئين في أوروبا. وبالرغم من ذلك، نجد أن العديد منهم كانت رحلتهم جزءً من المرحلة الجديدة من مراحل الصراع طويل الأمد في دارفور. منذ العام 2003، ردَّت الحكومة السودانية السابقة على التمرد في دارفور بالعنف المفرط، مخلفة 130000 من القتلى ومليوني نازح بحلول يناير 2005. واستمرت الحرب والنزوح، مع وصوله إلى ذروته في العام 2013، بعيد تكوين قوات الدعم السريع شبه العسكرية. وتتضمن الأسباب الأخرى انهيار الدولة في ليبيا وزيادة أنشطة تهريب البشر. غادر الدارفوريون السودان في الغالب بسبب ما واجهوه من هجوم وترصد وسوء معاملة في كلٍّ من دارفور والخرطوم، والتمييز في الحصول على الوظائف. معظمهم شباب وعاشوا في معسكرات النازحين طوال الـ10 إلى 15 عاماً الماضية. في العام 2020، ما يزال الوضع على هشاشته، وحوالي مليوني مواطن ما يزالون في المعسكرات، و9.3 مليون مواطن بحاجة إلى المساعدات الإنسانية. هنالك العديد من النازحين في دارفورـ حيث ما تزال المعسكرات موجودة لأكثر من 15 عاماً، ومازال العنف والتشريد مستمراً، إلا أنه بمعدل أقل من السنوات السابقة، كما تشير الأدلة حول الهجوم الأخير بواسطة المليشيات العربية على معسكر للنازحين في غرب دارفور، بينما ليبيا تواصل انزلاقها نحو الحرب الأهلية.
عند الوصول إلى أوروبا، يجد السودانيون أنفسهم عالقين في الحدود، لأن القليلين فقط من يملكون ما يسدِّدون به فواتير المهربين للعبور. هنالك ينامون في الطرقات، أو في الغابات، مع القليل من المعينات، أو حتى بدونها تماماً، ويواجهون مراراً وتكراراً الغاز المسيل للدموع والاعتقالات من قبل الشرطة. الظروف المتاحة للاجئين في إيطاليا سيئة، لذلك يحاول السودانيون الانتقال سريعاً إلى فرنسا؛ حيث تدفعهم إجراءات طلب اللجوء المعقدة والبطيئة إلى المضي قدماً. حتى العام 2016، كان اللاجئون السودانيون-مثل الآخرين- يحاولون العبور إلى بريطانيا من “كالي”، ولكن عقب تفكيك مخيم الغابة في أكتوبر من العام 2016 تغيرت مسيرة بحثهم عن اللجوء إلى بروكسل أو عبرها. وفيها خيموا في منتزه ماكسيمليان، وهي منطقة بالقرب من مباني إدارة الهجرة. يتلقى المهاجرون العابرون، بما فيهم السودانيين، بعض المساعدات من المتطوعين والمنظمات الطوعية هناك. افترعت منصة (سيتونس بلاتفورم) برنامجاً للاستضافة العائلية للمهاجرين في أغسطس 2017، لأن الملاجئ التي توفرها الدولة محدودة أو غير متوفرة. استضاف البرنامج حوالي 300 – 400 من المهاجرين العابرين في الليلة الواحدة. وفي وقت لاحق من نفس العام، بدأت المنصة برنامجاً لتوفير مسكن للمشردين بدعم من مدينة بروكسل، حيث يمكن للمهاجرين العابرين كذلك البقاء فيه.
السياسات الحكومة والممارسات الشرطية أصبحت عدائية على نحو متزايد. في العام 2017، كان السودانيون يتعرّضون للاعتقال في حال تم أخذ بصماتهم مسبقاً في إيطاليا أو في أي مكان آخر داخل الاتحاد الأوربي. ولكن أسوأ مخاوفهم على الاطلاق هي ترحيلهم إلى السودان، عقب التقارير الصحفية التي أشارت إلى بعثات إلى بلجيكا بواسطة جهاز أمن الحكومة السودانية السابقة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية وتنظيم العودة. وفي ديسمبر من ذات العام، تسبب الترحيل القسري للعودة في أزمة سياسية عندما تبين أن بعض أولئك المُرَحَّلين قسرياً تعرضوا للتعذيب. واستطاعت الحكومة أن تنجو بفعلتها بالرغم من كل شيء، إلا أنها أصبحت في موقف لا تُحسد عليه. في مارس من العام 2018، أقرَّت بلجيكا تشريعاً يُوضِّح أن الحكومة لا تتحمل أية مسؤولية تجاه الذين لم يتقدموا بطلبات اللجوء. مما يعني أن السكن والمساعدات للمهاجرين العابرين. بالرغم من هذه البيئة المتزايدة في عدائيّتها، المئات من اللاجئين غير المسجلين يواصلون العيش في بلجيكا حتى نهايات العام 2019 بمعينات محدودة للغاية، بما في ذلك المعلومات الأولية حول الحقوق، وعنف الشرطة المتواصل، والتي يبدو أنها تهدف إلى إيقاف المهاجرين واللاجئين من المجيء إلى بلجيكا.
في العام 2020، لا يزال العديد من المهاجرين السودانيين غير المسجلين في بروكسل، ومناقشاتنا الأساسية تشير إلى أن أوضاعهم ازدادت سوءاً، أولاً بسبب أن إجراءات طلب اللجوء قد علقت منذ اندلاع الثورة السودانية، وثانياً بسبب المعايير المتعلقة بجائحة كوفيد-19. ومنذ الثورة لم يتم اتخاذ أي قرارات بخصوص طلبات اللجوء منذ اندلاع الثورة، وإسقاط نظام البشير في أبريل من العام 2019، مما جعل طالبي اللجوء هؤلاء في وضعٍ مُهمل. العديد منهم مازال ينتظر لأكثر من عامٍ ونصف العام، والآخرون انتهى بهم المطاف إلى هناك بسبب أن ادعاءاتهم التي طلبوا بسببها اللجوء لم يتم قبولها في دولٍ أخرى، ويأملون في أن يحظوا بفرصة أفضل في بريطانيا. وبالرغم من أن البعض منهم يمكثون في ملاجئ مخصصة للمشردين وطالبي اللجوء، إلا أنه يبدو أن العديد منهم يستمرون في العيش بمعاناة. في يناير الماضي قرر وزير اللجوء والهجرة أن هنالك فئات محددة من طالبي اللجوء ليس لديهم الحق في السكن في مراكز اللجوء، بما في ذلك أولئك الذين تنطبق عليهم المادة 3 من إجراءات دبلن. وهي حالة أغلب السودانيين غير المسجلين ببروكسل. هذا بالرغم من حكم سابق لمحكمة العدل الأوروبية الذي يقضي بأن بلجيكا مُلزَمة بتوفير العيش الكريم لكل طالبي اللجوء السياسي.
ضاعفت جائحة كوفيد-19 من شدة البيئة العدائية لكل المهاجرين وطالبي اللجوء. وفي أوائل مارس الماضي أوقف مكتب الهجرة القبول أو النظر في طلبات اللجوء وأُغلقت مراكز الاستقبال. في 3 أبريل الماضي أعيد فتح مركز التسجيل ولكن تقرر أن يتم تقديم الطلبات على الإنترنت، وبعدها ينتظر طالب اللجوء لتحديد مواعيد. وتُعطى الأولوية للعائلات التي لديها أطفال والنساء الحوامل وهؤلاء ينتظرون لقرابة الأسبوعين لتحديد المواعيد، بينما يمكن أن ينتظر الرجل البالغ الأعزب لفترة أكثر من تلك بخمس مرات. ومعظم المهاجرين السودانيين هم من الشباب، ومعظمهم لا تتوفر لديهم هواتف ذكية، أو حواسيب أو بريد إلكتروني لتقديم مثل هذه الطلبات على الإنترنت. وأبعد من ذلك، لن يتم تقديم خدمات السكن في أثناء انتظار مقدمي الطلبات لمواعيد مقابلاتهم، أو مخرجات إجراءات دبلن 3، ولم تؤسس الحكومة البلجيكية أية استراتيجية خروج من هذا النمط من العمل.
بالرغم من أنه خلال الجائحة تم توفير السكن بواسطة بعض مدراء وأصحاب الفنادق المتعاطفين، يبدو أن معظم المهاجرين وطالبي اللجوء يمكثون في مجمعات وملاجئ للمشردين مدعومة من الحكومة، ومنظمات طوعية غير حكومية، أو الصليب الأحمر. في بداية العام 2020 كان البعض منها في ملجأ بميناء عوليس يدار بواسطة منصة سيتوينس، ولكن الجائحة قلَّلت على نحوٍ درامي من إمكانات برنامجهم للاستضافة. ظل المهتمون بالعون الإنساني والموظفون والخبراء في الصحة العامة يُنبِّهون لأهمية تطبيق التباعد الاجتماعي ومعايير النظافة وصحة البيئة للنازحين والمهاجرين، وبالتالي، بطريقةٍ ما، لَفت الانتباه وتسليط الضوء على قضية السودانيين المقيمين في ملاجئ مزدحمة، وأولئك الذين يهيمون في الطرقات. كذلك تضاءلت الفرص المتاحة في أن يحظى طالبو اللجوء بفرصة للعمل المأجور تساعدهم في تحسين ظروف معيشتهم بسبب الإغلاق العام. الإجراءات الوقائية المصاحبة للجائحة من تحديد لحركة المواطنين وغيرها، جعلت الأمر غاية في الصعوبة للمنظمات الطوعية غير الحكومية لتقديم المساعدة. مركز الأنشطة الإنسانية (الذي كان يضطلع بتوفير المساعدات للمهاجرين في محطة نورد، والآن في هافينلان) قد قلَّص عمله، وأصبح محدوداً بإطارٍ زمنيّ محدود، ولم يستأنف أنشطته إلا بحلول الثاني من يونيو الماضي مع نفس ساعات العمل السابقة، وتطبيق موجهات التباعد الاجتماعي، والذي سيخصِم من طاقة استيعاب المركز. وبينما لم يعد السودانيون محتجزون في مراكز مغلقة، تشير مناقشاتنا الأولية إلى استمرار عنف الشرطة، بالرغم من أن أنواع العنف الآن هي: الإساءات والتحرش بعد الاعتقال، وعادة ما يكون دون الحصول على مترجم للغة العربية.
المخاطر والظروف التي يواجهها المهاجرون السودانيون في بلجيكا تؤثر على كل من صحتهم الجسدية والعقلية. وبدلاً عن منح الناس الفارين من العنف والملاحقات، فإن تركيبة السياسات العامة والممارسات شكَّلت استراتيجية للتراجع. بينما يشتد إغلاق الحدود، ويصبح التقديم للجوء السياسي ضرب من المستحيل، وسواءً تقدَّمتَ بطلبك أو لم تتقدم، ستعاني مشقة العيش في الملاجئ والمخيمات، مع معينات محدودة بسبب الإغلاق العام والإجراءات الوقائية، بينما يستمر العنف الشرطي. تتحلى استراتيجية الحكومة البلجيكية بمظهر من يقدم اللجوء السياسي، بينما هي في الواقع لا تُشجِّع على تقديم الطلبات. في الواقع يجب أن يكون دور الدولة في حدّه الأدنى هو توفير البيئة الآمنة لاتخاذ القرار المناسب بين تقديم الطلب للجوء السياسي أو اختيار المضي قدماً صوب بريطانيا، أو العودة إلى السودان. القضايا التي تمت مناقشتها في هذه التدوينة لا تخص بلجيكا وحدها. جزء من هذه المشكلة هو أن الإجراءات المتبعة وتوفير اللجوء السياسي متفاوتة ومختلفة على امتداد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. هنالك حاجة إلى مشاركة الالتزامات بتوفير اللجوء السياسي، بينما يسمح للسودانيين بالتقديم للجوء بطريقة آمنة في أي بلد أوروبي يحظون فيه بأقرب العلاقات والروابط الأسرية. وهذا بدوره يتطلب إدماج احتمالية الحصول على لجوء في بريطانيا بدون الاضطرار إلى دخولها بطريقة غير قانونية.
هنالك حاجة ملحة للتدخل الفوريّ لحماية ورعاية المهاجرين السودانيين في بلجيكا. وهذا يتضمن: السكن الملائم، الغذاء، الماء، والرعاية الصحية، بما في ذلك الدعم النفسي. هذه التوصيات أُجيزت في العام 2018، وأصبحت الآن أكثر ضرورة لتطبيقها. على ذات القدر من الأهمية هنالك أيضاً أن تكون إجراءات التقديم للجوء السياسي أسهل وأسرع، والحصول على مترجمين ومعاونين قانونيين. بالإضافة إلى المزيد من التحقيقات المطلوبة في ما يتعلق بأوضاع السودانيين في بلجيكا: بتجميع المعلومات حول ظروفهم المعيشية والمخاطر التي يواجهونها وإجراءات اللجوء السياسي والحالة (الخبرة والمعرفة) والحصول على المعينات، وتأثير كوفيد-19 على كلٍّ من هذه الأمور. فالخيارات المتاحة لهم، بالمقارنة مع ردة فعلهم تجاه واقع بقائهم عالقين، كل هذا، يجعل من هذه القضايا والأسئلة أمراً يجب حله ومجابهته كحالة طارئة.
نُشرت هذه المقالة سابقا باللغه الانجليزيه علي موقع افريكن ارجيومنتس