
Debating Ideas aims to reflect the values and editorial ethos of the African Arguments book series. It offers debates and engagements, contexts and controversies, and reviews and responses flowing from the African Arguments books.

صورة الشهيد عباس فرح خلال مذبحة الاعتصام بالخرطوم بالسودان مخلدة في لوحة فنية
في واحد من الفيديوهات التي انتشرت بشكل هائل بعد تفريق اعتصام القيادة العامة بدا الشهيد “عباس فرح” بعد تلقيه للرصاصة صبيحة الثالث من يونيو، بدا وكأنه يحاول العودة لحماية احد المتاريس قبالة قيادة الجيش من اجتياح العسكر لساحة الاعتصام،بداوكأنه اراد ان يوحد بطريقة ما بين جسده الدامي وبين صخور المتاريس. ” ليصرخ”ايها العابرون علي جسدي لن تمروا”([1]) . كانت تلك المتاريس قبل الإعتصام قد خدمت غاية عملانية لتكتسب منذ لحظة الإعتصام ترميزا كثيفا – سيتضاعف بعد تفريق الإعتصام – مثلت في تلك الرمزية، الفاصل بين النحن الثائرة وبين قبح السلطة، مثلت مستوعبات يوتوبيا الثورة وحلم الثائرين / الثائرات بـ” الحرية والسلام والعدالة”([2
تحاول الفقرات التالية مساءلة ما تبقي من ذلك الحلم و ارتباكات خطاب الحراس في رحلتهم باتجاه سواحله. يتجه الـ” ما يلي ” المؤسس علي مقدمة مفادها ان ما جمعهم سابقاً هو خصومتهم مع النظام التي استمرت بتوحيدهم حتي لحظة السقوط، ليختلفوا بعدها مع محترفي السياسة حول التفاوض مع الجيش والمليشيا، ومع ذواتهم حول “مجنون فوكو” او “كولومبيا” الحالمة بتغيير اكثر راديكالية يطال السلطة بمعناها الاوسع
ان كانت اللحظة الثانية للثورة في 30 يونيو قد اعادت لحمهم، فبعد الاتفاق مع العسكر في اغسطس 2019 وتوقيع الوثيقة المعمدة كـ” دستورية” واعتبار البعض لها نهجاً واقعياً سيوقف جريان الدم وعواء الرصاص، والتعامل معها لدي البعض الاخر علي انها خيانة لدماء من سقطوا. مذ ذاك سيختلفون حول كل شي، سيختلفون حول ما يعنيه السلام وما تؤشر اليه العدالة، سيختلفون حول حدود الحرية المستعادة او المرجوة. وفوق ذلك سيختلفون حول كيفيات ملاحقة حلمهم ذو الثلاث شعب
تخنزل العدالة في خطاب اللجان الي موضوعة ” القصاص للشهداء” او كما يعبرون عنها ” الدم قصاد الدم “وهي الموضوعة التي تحولت الي ما يشبه رأس المال الرمزي فثمة حالة من الاستهلاك الكثيف لسردية الشهداء ودماءهم ومسئولية اللجان تجاه تلك الدماء ، في الحالات التي تتسع فيها دلالات العدالة فانها تنصرف باتجاه رد المظالم لمن تضرروا من سياسات النظام السابق، لا يتم تدشين نقاشات العدالة الانتقالية رغم توسطها مكوني الشعار عدالة ..سلام، ما من تصور ولو اولي للعدالة الانتقالية كمفهوم وكآليات وكأهداف، كثير من النقد تم/ يتم توجيهه لمفاوضات سلام جوبا والاتفاقات التي اسفرت عنها تلك المفاوضات، دون ان يكون ذلك النقد مصحوباً ببدائل متصورة وممكنة، بدون ان يتم الانتباه في خطابات الفاعلين الي التلازم بين المواطنة والتعايش السلمي والدولة المحايدة بين الثقافات وضرورة البدء بتأسيس مجال عام محايد تبقى فيه الانتماءات الثقافية والإثنية ضمن المجال الخاص ينجز قطيعة بمعناها النهائي مع دولة السودان ما بعد الكولونيالية. ليس ثمة معارضة للتطبيع مع اسرائيل او انتباه ان العدالة تقتضي مناصرة القضايا العادلة اينما كانت،لا تبدو اللجان قادرة علي رؤية التناقض الكامن في موقفها الساكت عن التطبيع مع دولة احتلال وتعريفها لذاتها كقوي ثورية، غير قادرة علي ادراك انها بموقفها ذاك تغادر منطق الثورة والعدالة لتندرج في منطق الدولة ومساوماتها ومصالحها.
يرتبط بهذا التناقض ويتناسل منه تناقض اخر رديف وهو تواري التصورات حول العدالة الاجتماعية ، تغيب في كل الحالات المواقف وفي بعضها مجرد النقاشات حول اللبرلة المتسارعة للاقتصاد – لم تصدر اية بيانات بشأن تحرير اسعار الوقود مثلاً – بدون ان يكون واضحاً كيف يمكن لما تعرضه الليبرالية الجديدة في نسختها ما بعد الاسلامية وفي سياق دولة كالسودان أن يقود إلي مقرطة الفضاء العمومي او إلي مفهوم الدولة التي تنبع من المجتمع المدني، المسألة هنا ليست ضرورة امتلاك اللجان تصورات لسياسات بديلة اذ يمكن تفهم ان الحراس ليسوا منخرطين في ورشة عمل فكرية هدفها انتاج مقالة نظرية في التنمية، لكن ما يبدو مفارقاً هو غياب الضغط علي حكومة يزداد تنصلها من ادوارها التنموية. وغياب النقد لعمليات تفريغ الدولة من مضمونها ، او التفكير باتجاه ان قيم العدالة والمساواة لا يمكن ان تستقيم من دون تدخل الدولة الممثلة لعموم الشعب وارادته العامة وليست تلك التي تنحصر وظيفتها في تشجيع سيطرة اصحاب النفوذ من رجال الاعمال والمصالح على الحياة العمومية
تلك الغيابات وما انتجته من فقدان الخطاب للتماسك المنظومي يمكن تاؤلها علي اساس الثنائية التي اقرتها الوثيقة والاعتقاد ان أي نقد لما يقدم عليه الجناح المدني لا بد ان يصب بالضرورة في خانة العسكر كما علي اساس حالة الذيوع الهائلة لفكرة ان ” الثورة ثورة وعي” ، والتي تستدرج اللجان الي افتراض ضرورة رفع وعي انفسهم و المجتمعات المتصورة جاهلة باولويات الانتقال، دون ان يلمحوا التناقض بين تقديسهم شبه الديني لحدث الثورة و لمجموعات الشباب التي انجزت الحدث وبين الإلحاح علي ضرورة التركيز علي رفع وعي ذات المجموعات، الافتراض الذي يبدو انه جري بطريقة ما تمريره اليهم كقناعة هو ان الخلل مما تتحمل مسئوليته المجتمعات وليس الحكومة وسياساتها
فيما يعمدون انفسهم كابناء للثورة يستمرون في طرح خطابات تنضح بالمكرور لا تعد باعادة بناء السلطة علي اسس مغايرة، الثورة لا تفهم كتأسيس في المختلف يطال ما يسمي بـ” العادات والتقاليد” التي يجري التشديد علي ديمومتها وانها يجب ان تظل ” حاكمة” للاجتماع البشري، بل وفقط كتغيير للنظام السياسي وابداله بنظام اخر مع الحفاظ علي النظم الإجتماعية وعلاقات القوة السائدة. فيما يتم انفاق كثير من اللغة حول الحرية فان بعض الاسئلة الحارقة تفضح ببساطة حدود الحرية المتصورة ، قضايا كحق المرأة في الاجهاض او حريات المثليين يتم في معظم الحالات رفضها بزعم ان مثل هذه الحريات تتصادم مع طبيعة الشعب السوداني – يجري الحديث عن شعب بالف ولام العهد وليس عن شعوب سودانية بما يسمح لاحقا بالزعم ان ذلك الشعب يتشارك قيم ثقافية واحدة- او ان التقاليد لا تتقبل مثل هذه الحريات. يمكن لمقاتلي الحرية ان يعلنوا ” حرية المثلين ضد الدين ، يجب وضع قوانين رادعة لمنعها لا يمكننا ارضاء النزوع الليبرالي علي حساب قيمنا ” لنلاحظ هنا ان هولاء انفسهم لا يبدون منزعجين من لبرلة الاقتصاد. يفترض اخرين ان تلك الحريات يجب ان ترجأ لما لها من انعكاسات سلبية علي مسارات الفعل الثوري ” في هذه الفترة لا نحبذ طرح هذه القضايا اطلاقاً” علي اساس ان ” اثارة مثل هذه القضايا – حريات المرأة والمثليين- هدفها اثارة البلبلة والوقت الراهن ليس الوقت الملائم لطرحها و انها قد تخلق تطرفاً لدي التيارات المحافظة التي تري فيها خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها وان الفترة الانتقالية في غني عن ذلك. مرة اخري نصادف الفاعل المدني الذي يفكر وفقاً للسقوفات وينشط وفقاً للتكتيكات التي يقترحها السياسي وليس علي اساس خطاب حقوقي يضمن او يفترض به ان يضمن الحرية للجميع. ليدخل الخطاب منطقة التعايش مع السابق بعد كل ما بذلوه للاطاحة بحماته ومشرعوه والمنتفعين منه
النقاشات حول علمنة الفضاء العام والتلازم / الافتراق بين العلمنة والمقرطة هي الاخري غائبة، بدعوي الحفاظ علي تماسك اللجان، في تحالف الحد الادني حيث الثيمة الاساسية هي فكرةالدولة المدنية المعرفة علي اساس انها دولة القانون والمؤسسات فان السؤال حول أي قانون هو ذاك الذي ينبغي يثير تباينات هائلة حيث يمكن ان تصادف من يقترح ضرورة الاحتكام الي الشريعة الاسلامية الي جانب من يدعو الي درجة ما من الاصلاحات التشريعية والقانونية الي جوار من يقترح تغييرات اكثر راديكالية، كل هذه التباينات تصدر كاراء شخصية فيما يظل انتاج خطاب موحد ضمن الما يخشي منه
في الوقت الذي يبدو فيه ورثة جهاز الدولة مترددين في انجاز القطيعة مع الماقبل والبدء في وضع متاريس باتساع الوطن لحراسة ذلك الحلم -كما كان عباس ورفاقه قد فعلوا – لتبدو هندسة المجال العام بعد مرور نحو عامين علي الإطاحة بنظام 30 يونيووكأنها تحاكي الـ”ماقبل”، وهو ما يسمح بالتفكير في اتجاه أن الـ”ما بعد” ربما قد جري اختزاله إلي تغيير في سلطة الدولة لا يطال أجهزتها ولا يعد بتحول في اتجاه اياً من شعارات الانتفاضة، فان السؤال الذي سيحدد استمرارية الفعل المقاوم هو حول قدرة المقاومين علي انتاج خطاب تترابط مكوناته منظومياً علي نحو تستعصي معه فصم العلاقة بين عناصره او ترتيبها علي منوال تدرجي ، السؤال هو حول ما تبقي من قدرة لدي حراس المتاريس علي الحلم بشكل غير قابل للتجزئة، وعلي ادراك حلمهم الذي بدأ بالتحول الي كابوس تحارب بعض مكوناته بعضها الاخر
[1]-من قصيدة للشاعر الفلسطيني محمود درويش
[2]-الشعار الشهير للانتفاضة السودانية
[…] Source link : https://africanarguments.org/2021/07/%D8%AD%D9%80%D9%80%D9%80%D8%B1%D8%A7%D8%B3-%D8%A7… Author : Ashraf Alhassan Publish date : 2021-07-21 08:39:11 Copyright for syndicated content belongs to the linked Source. Tags: الحلمالمتـاريـسالمقاومةتقلصحـــراسفيوارتباكات Previous Post […]