African Arguments

Top Menu

  • About Us
    • Our philosophy
  • Write for us
  • Contact us
  • Advertise
  • Newsletter
  • RSS feed
  • Donate
  • Fellowship

Main Menu

  • Home
  • Country
    • Central
      • Cameroon
      • Central African Republic
      • Chad
      • Congo-Brazzaville
      • Congo-Kinshasa
      • Equatorial Guinea
      • Gabon
    • East
      • Burundi
      • Comoros
      • Dijbouti
      • Eritrea
      • Ethiopia
      • Kenya
      • Rwanda
      • Seychelles
      • Somalia
      • Somaliland
      • South Sudan
      • Sudan
      • Tanzania
      • Uganda
      • Red Sea
    • North
      • Algeria
      • Egypt
      • Libya
      • Morocco
      • Tunisia
      • Western Sahara
    • Southern
      • Angola
      • Botswana
      • eSwatini
      • Lesotho
      • Madagascar
      • Malawi
      • Mauritius
      • Mozambique
      • Namibia
      • South Africa
      • Zambia
      • Zimbabwe
    • West
      • Benin
      • Burkina Faso
      • Cape Verde
      • Côte d’Ivoire
      • The Gambia
      • Ghana
      • Guinea
      • Guinea Bissau
      • Liberia
      • Mali
      • Mauritania
      • Niger
      • Nigeria
      • São Tomé and Príncipe
      • Senegal
      • Sierra Leone
      • Togo
  • Politics
    • Elections Map
  • Economy
  • Society
    • Climate crisis
  • Culture
  • Specials
    • From the fellows
    • Radical Activism in Africa
    • On Food Security & COVID19
    • #EndSARS
    • Covid-19
    • Travelling While African
    • From the wit-hole countries…
    • Living in Translation
    • Red Sea
    • Beautiful Game
  • Podcast
    • Into Africa Podcast
    • Africa Science Focus Podcast
    • Think African Podcast
  • Debating Ideas
  • About Us
    • Our philosophy
  • Write for us
  • Contact us
  • Advertise
  • Newsletter
  • RSS feed
  • Donate
  • Fellowship

logo

African Arguments

  • Home
  • Country
    • Central
      • Cameroon
      • Central African Republic
      • Chad
      • Congo-Brazzaville
      • Congo-Kinshasa
      • Equatorial Guinea
      • Gabon
    • East
      • Burundi
      • Comoros
      • Dijbouti
      • Eritrea
      • Ethiopia
      • Kenya
      • Rwanda
      • Seychelles
      • Somalia
      • Somaliland
      • South Sudan
      • Sudan
      • Tanzania
      • Uganda
      • Red Sea
    • North
      • Algeria
      • Egypt
      • Libya
      • Morocco
      • Tunisia
      • Western Sahara
    • Southern
      • Angola
      • Botswana
      • eSwatini
      • Lesotho
      • Madagascar
      • Malawi
      • Mauritius
      • Mozambique
      • Namibia
      • South Africa
      • Zambia
      • Zimbabwe
    • West
      • Benin
      • Burkina Faso
      • Cape Verde
      • Côte d’Ivoire
      • The Gambia
      • Ghana
      • Guinea
      • Guinea Bissau
      • Liberia
      • Mali
      • Mauritania
      • Niger
      • Nigeria
      • São Tomé and Príncipe
      • Senegal
      • Sierra Leone
      • Togo
  • Politics
    • Elections Map
  • Economy
  • Society
    • Climate crisis
  • Culture
  • Specials
    • From the fellows
    • Radical Activism in Africa
    • On Food Security & COVID19
    • #EndSARS
    • Covid-19
    • Travelling While African
    • From the wit-hole countries…
    • Living in Translation
    • Red Sea
    • Beautiful Game
  • Podcast
    • Into Africa Podcast
    • Africa Science Focus Podcast
    • Think African Podcast
  • Debating Ideas
Debating IdeasSudanTranslation
Home›Debating Ideas›مخلفات الرئيس المخلوع: ربط نضالات الحضر والريف في السودان[1]

مخلفات الرئيس المخلوع: ربط نضالات الحضر والريف في السودان[1]

By Edward Thomas and Magdi el Gizouli
February 16, 2022
957
0

Debating Ideas is a new section that aims to reflect the values and editorial ethos of the African Arguments book series, publishing engaged, often radical, scholarship, original and activist writing from within the African continent and beyond. It will offer debates and engagements, contexts and controversies, and reviews and responses flowing from the African Arguments books.

 إدوارد ثوماس[2]

 مجدي الجزولي[3]

ترجمة: محمد الكامل محمد، مراجعة: الحارث عبد الله.

تغريدة جبريل إبراهيم

أوقف الانقلاب العسكري الذي حدث في السودان، في الخامس والعشرين من أكتوبر، خدمة الإنترنت[4]، وبالتالي أوقف معظم منصات التواصل الاجتماعي. إحدى أوائل التغريدات[5] التي استطاعت عبور طريقها رغم توقف الإنترنت كانت تغريدةً لجبريل إبراهيم، وهو قائد حركة متمردة سابق أصبح وزيراً للمالية في فبراير، حيث عُيّن خلال إعادة تشكيل للحكومة مُنح فيه قادة الحركات المتمردة السابقون مناصب وزارية عليا بعد أشهر قليلة من توقيعهم لاتفاقية سلام جوبا. كانت الحكومة الانتقالية السودانية أيضاً إحدى الأطراف الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وهي حكومة نشأت عقب سقوط نظام الرئيس السابق للسودان- عمر البشير. وشكلت منظومة الحكم الجديد تحالفاً غير مستقر بين قادة الجيش الذين صعدوا إلى رُتَبهم تحت [حكم] البشير، ومجموعة من التكنوقراط المدعومين من المتظاهرين الذين أسقطوه. ولأسباب عدة، أصبح هذا التحالف الحاكم أكثر هشاشة بعد انضمام جبريل وقادة حركات مسلحة آخرين إليه. وفي أكتوبر، قامت القوات الأمنية باعتقال أغلب أعضاء مجلس الوزراء المدنيين، وأعلنت توليها زمام الأمور بالبلاد.

لم يتم القبض على جبريل، وأعطت تغريدته المنشورة في الثلاثين من أكتوبر انطباعاً بقدرته على رؤية طرفي النزاع، فخلال اندفاع المتظاهرين صوب قوات الشرطة والقناصة، أخبر جبريل عالم التواصل الاجتماعي:

“من حق الشعب السوداني التعبير عن رأيه بكل الوسائل السلمية. ولكن هدم أرصفة الطرق وأعمدة الكهرباء تخريب للممتلكات العامة التي جاءت بعرق المواطن ولا علاقة له بالتعبير السلمي.” 

قبل الانقلاب بقليل، شكّل جبريل وقائد حركة متمردة سابق آخر، وهو مني أركو مناوي، فصيلاً منشقاً عن قوى الحرية والتغيير -التحالف الذي ساهم في قيادة مظاهرات عام 2019 ضد البشير. وفي أكتوبر 2021، انضم متظاهرون من الفصيل المنشق عن قوى الحرية والتغيير إلى اعتصام بالخرطوم يطالب بإعادة الحكم العسكري. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر، اعتقل الجيش وزراء الحرية والتغيير، وعطل العمل بالدستور بشكل غير قانوني في اليوم الذي يلي ذلك.

لمرة أخرى، كانت الحكومة السودانية تذبل [لتتخذ شكل] أعضائها الأمنية. ولكن هذه المرة، كان الشكل الأمني للحكومة مدعوماً من قادة مليشيات المناطق الطرفية الذين قاتلوها لوقت طويل.

أصبح جبريل إبراهيم قائداً لحركة العدل والمساواة بدارفور قبل عشر سنوات، بعد أن قتلت الحكومة أخاه خليل، مؤسس الحركة، بضربة جوية دقيقة. كان خليل أكثر قادة الحركات المتمردة بدارفور خبرة بالسياسة: فقد نشأ في كنف الحركة الإسلامية وميلشياتها الحزبية، واحتفظ بعلاقة غامضة مع الإسلاميين المنشقين حتى نهاية حياته. ولكن مليشيته الريفية كانت ذات قاعدة إثنية ضيقة، متمثلة في مجتمعه الإثني-اللغوي، الزغاوة. هُزمت حركة العدل والمساواة وأغلب الحركات المتمردة الأخرى بدارفور عسكرياً خلال حملة لدحر التمرد أطلقتها مليشيا ريفية موالية للحكومة، وهي قوات الدعم السريع عام 2014. وللسنوات الخمس التي تلت ذلك، حاولت حركة العدل والمساواة كسب زمنها عبر إعلانات وقف إطلاق النار من جانب واحد، لـ”أسباب إنسانية”[6].

تركت عملية الصيف الحاسم، الحملة العسكرية التي تمت عام 2014 لدحر التمرد، أطراف السودان المتمردة عالقة في طريق مسدود تحكمه اتفاقيات وقف إطلاق النار الإنساني. ودفعت بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع، إلى السلطة. عندما أُسقط البشير بالتظاهرات الحضرية في 2019 أصبح حميدتي أصغر نائب لرئيس الجمهورية في تاريخ السودان. ولعبت قواته دوراً رئيسياً في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 فلم يعد الجيش السوداني قادرًا على القيام بانقلاب بدونها.

مخلفات الرئيس المخلوع

يشير العديد من السودانيين إلى الرئيس السوداني السابق بـ”المخلوع” وهي إشارة ساخرة تشير إلى سقوطه المهين مقارنةً بمسيرته الطويلة في الحياة السياسة السودانية. قامت رئاسة البشير التي استمرت لثلاثين عاماً بإعادة تشكيل السودان، جارفةً التشكلات السياسية القديمة والأنماط السابقة لمراكمة الثروة، ومستبدلةً إياها بمنظومة سياسية-اقتصادية-أمنية موجهة لمصلحة حركته الإسلامية. أدت الحروب التي خاضها البشير إلى تقسيم السودان إلى دولتين، ولكنها خلال ذلك منحت البلاد عقداً من الانتعاش الاقتصادي بفضل النفط، مما جعل السودان يتحول مؤقتاً إلى دولة متوسطة الدخل.

لم يدم أغلب ذلك، ولكن كان للبشير إنجاز واحد ذو استدامة وقابلية للتصدير: وهو المليشيا الريفية. قاتلت هذه المليشيات من أجل السيطرة على المراعي الموحلة التي تحمل معظم ثروة البلاد النفطية، أو من أجل الصحاري وغابات السافانا المتربة حيث يوجد الذهب، وقامت بإيصال موارد السودان التحت- أرضية\الأرضية بكفاءة وثمن منخفض إلى الأسواق العالمية. وعندما نفذ النفط، وعاد السودان لجني أغلب عملته الأجنبية من المحاصيل والمواشي، قامت أكثر المليشيات نجاحاً بتنظيم عمليات لحراسة الحصاد، واشترت بنك الموارد الحيوانية ومن ثم أسست بنك الخليج الخاص بها عام 2017 في شراكة مع رأس مال إماراتي. والآن، سيطرت هذه المليشيات على الدولة السودانية.

لم تعد عسكرة الإنتاج الاقتصادي الريفي سمة منحصرة على مناطق السودان التي دمرتها الحرب، وإنما أصبحت سمة لصيقة بالحياة الريفية. فالقرى الكردفانية المطمئنة وقرى الجزيرة الهادئة حتى السنين الماضية، قد أصبحت مناطق للانتشار العسكري. فقد أُسسِّت قوات أمنية خاصة تضم الدعم السريع لمراقبة موسم الحصاد، فهو الوقت الذي تتجول فيه مجموعات مسلحة لتسطو على المحاصيل المحصودة الطازجة التي لا تزال تنتظر بالحقول لتُعبأ وتُنقل بشكل سليم. وأكثر انتشارًا من ذلك نجد عسكرة سبل العيش الرعوية، فقد كان أحد أهم العوامل التي دفعت بظهور المليشيا الريفية هو التوسع في تسليع الرعي والحاجة لحماية رحلات القطعان لأسواق الصادر في ليبيا ومصر. فقد بدأ قائد قوات الدعم السريع، أنجح مليشيات السودان، حياته المهنية كتاجر مواشي يعمل في الطرق الصحراوية الخطرة بين شمال السودان وجنوب ليبيا.

جلب ظهور الدعم السريع كمليشيا مهيمنة ذات أعداد عليا من المقاتلين، والأسلحة، والسيارات المدجنة بالسلاح درجة من الاستقرار، بالأخص في مناطق جنوب وشرق دارفور التي دمرتها الحروب بين المجموعات الرعوية المتنازعة على الأرض. حيث تم استيعاب المليشيات الصغيرة ومجموعات مسلحة أخرى في الدعم السريع بأكملها محافِظةً على هياكلها القيادية كما هي. وكذلك، بالفعل، تولت قوات الدعم السريع مهام الضمان والعطاء الاجتماعي في أطراف السودان الشاسعة، بفضل تنظيمها العسكري وقدراتها اللوجستية وسيطرتها على فائض القيمة. تحفر قوات الدعم السريع الآبار وتنظم الرعاية الصحية وتمنح اللقاحات وتشرف على التمدد الريفي وتطوير مهارات ريادة الأعمال بحسب وصفات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وبوصفه موظف يستوعب الدعم السريع قوة عاملة غير مدربة على نحو دائم أو موسمي، ويوفر منفذاً لتصدير القوة العاملة ممثلةً في مقاتلين لملوك وأمراء الجزيرة العربية. حيث أن التعينات العسكرية لمراهقي قرى دارفور وكردفان لمعارك اليمن، أو لاحتياطي العمالة غير الرسمية بالخرطوم إلى هو أحد منافذ هؤلاء اليافعين لكسب النقود، لنقل أمهاتهم إلى العشوائيات المحيطة بالخرطوم، او ربما لبناء منزل أو لشراء حافلة مواصلات صغيرة.

تشكلات المليشيا

كانت المليشيات الريفية موجودة قبل عهد البشير، وفي ذلك الوقت، كانت عبارة عن قوات مساعدة للجيش معدوم الموارد المالية، أو قوات معنية بممارسة أساليب الحرب الصادمة والقذرة، ولكن البشير قام تدريجياً بنقل جزء من وظائف الدولة إلى هذه المليشيات. ومن ثم أصبح شكل/بنية المليشيا، الذي يمكن للبشير بشكل معقول الادعاء بأنه من اختراعه، التكنيك الأساسي لحكم الأرياف واستخراج الموارد في مناطق الفوضى النيوليبرالية الممتدة من أفغانستان إلى الكونغو. جميعنا يعتمد على هذه المليشيات، فهم يجلبون لنا الكولتان([7]) للهواتف، والبترول للمواصلات، والمخدرات للحفلات، والألماس للمناسبات الأكثر خصوصية. تولى البشير السلطة عام 1989 خلال أزمة اقتصادية طويلة تركت السودان عاجزاً عن تمويل إيراداته، كان البشير متبنياً مبكراً لتكتيكات الحكم النيوليبرالية كالتقشف، والتعهيد الخارجي([8])، وبيع الثروة العامة. في المدن، قام البشير بقمع المقاومة بشرطته السرية، وفي الريف، قام بإنشاء مليشيات ريفية، وعادة ما تم ذلك بعسكرة قيادات المجتمعات الإثنية.

كانت المقاومة الريفية انعكاساً للقمع الريفي، فقد كونت المجتمعات الريفية التي وجدت نفسها على خلاف مع الدولة مليشياتها الريفية، مستخدمةً الإثنية أو القبيلة كأداة للتجنيد، قاربت هذه المليشيات الهزيمة الكاملة خلال حملة حميدتي المعادية للتمرد في الفترة 2014-2016، ولكنها لم تُستبدَل بأشكال بديلة وأكثر استيعابًا للحوكمة الريفية. واستمرّت المليشيات الريفية كممثل للهوامش المهزومة. وعندما بدأت ثورة 2019 لم يكن العديد من قادة هذه المليشيات متأكدين من السياسة المناسبة حيال الحراك المنادي بالتغيير، وبدلاً من استغلال اللحظة الثورية البهية، قضى هؤلاء القادة حاولي عام في التفاوض مع الحكومة الانتقالية المدنية-العسكرية، متمعنين بدقة لنقاط القوة والضعف لدى كل من المدنيين والعسكريين، وخلال صيف طويل، قرر مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم الرهان على العسكريين.

الاستهلاك والتقشف: ميزان البشير للمدفوعات

كان الصيف طويلاً وساخناً بسبب عجز الحكومة عن تمويل فاتورة إيراداتها، فقد أورث البشير الطبقة الوسطى الحضرية في السودان ثقافة استهلاكية مكلفة، غذاءهم القمح المستورد. ولكن في الحقيقة كان لديه مصدر واحد فقط للعملة الأجنبية: وهو الجهود الإنتاجية لسكان الريف السوداني، حيث تأتي حوالي نصف مكتسبات السودان من التصدير من المحاصيل، وسلع الغابات، والمواشي، بينما يأتي نصفها الاخر من الذهب والنفط، ومصدر كل ذلك هو الريف السوداني.

لم يكن الريف السوداني يوماً قادراً على إنتاج ما يكفي لتغطية فاتورة الاستيراد بالبلاد، فقام البشير بتثبيت أسعار الصرف وطَبَع العملة في محاولة للتعامل مع هذه المشكلة. تسبب التضخم الناتج عن ذلك في إسقاطه، ومن ثم قررت الحكومة الانتقالية أن تحاول كسر دائرة التضخم بتخفيض قيمة العملة بشكل حاد، مما أدى إلى زيادة مباشرة في أسعار الواردات. كان جبريل إبراهيم على رأس وزارة المالية وحاول تخفيف الاثر بزيادات في المرتبات، وبالتحويلات النقدية وباستثمارات جديدة في الخدمات الاجتماعية، ولكن التضخم خرج عن السيطرة، حيث كان معدل التضخم حوالي 400% في يوليو، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف معدل التضخم في لبنان، وثمانية أضعاف التضخم في اليمن.

حولت حروب البشير الطويلة الجيش والمليشيات الريفية إلى شيء يضاهي حجمًا جهاز الدولة. “الميزان العسكري The Military Balance”، وهو منشور سنوي يحاول تقدير حجم جيوش العالم، يعطي فكرة عن حجم توسع الجيش خلال فترة سنوات البشير (لا تشمل هذه الأرقام آلاف جنود المليشيات المتمردة).

المصدر: The Military Balance

يمكن أن يسمى هذا الرسم البياني أيضاً “التكلفة الحقيقية للتقشف”. فقد احتاجت الدولة السودانية إلى المليشيات الريفية لتحافظ على أنظمة الاستهلاك والإنتاج الخاصة بها. ويوضح انقلاب أكتوبر 2021 درجة تعمق هذا النظام، فقد أنتج الجيش والدعم السريع وقادة الحركات المتمردة السابقين الموجودين في الحكومة. واستخدم عنفهم ليوسع الهوة الكبيرة بين الريف والحضر السودانيين. كما منح هذا النظام قادة المليشيات الريفية مصلحة في وجود النظام، عبر عسكرة التحكم في عملية استخراج الثروة من الريف. ولذلك عندما قرر الجيش الانقلاب على السلطة بحث عن دعم هذه المليشيات الريفية، كثقل موازي لمدنيي قوى الحرية والتغيير المدعومين بشكل رئيسي في السودان الحضري.

التحديات التي واجهت الحكومة المدنية

يوضّح الانقلاب أيضًا حجم التحدي الذي واجهه المدنيون في السلطة، فقد حصلوا على جل شرعيتهم من متظاهرين أغلبهم من الشباب وسكان المدن الذين قادوا ثورة 2019 التي أسقطت البشير ودفعوا مقابلها تكلفة شخصية كبيرة. يعمل نظام المليشيات السوداني عبر وضع مصالح كلٍ من سكان الريف والحضر السودانيين في حالة من التضاد: حيث لا يجني قطاع الخدمات الطاغي على المدن أي قدر من العملة الأجنبية تقريباً، ونتيجةً لذلك يعتمد الاستهلاك الحضري على الجهود الإنتاجية في الريف. إحدى المهام الرئيسية التي يقوم بها أي حاكم في السودان هي تنظيم الأمن الغذائي وغيابه بحيث يقع ضرره الأكبر على سكان الأرياف، بينما يكتفي سكان الحضر ؛ لأن سكان الحضر يشكلون خطراً أكبر على سلطة الحكام. وقد كان خطأ البشير الأخير هو كسر هذه القاعدة، ففي نهايته فترة حكمه لم يعد قادراً على إدارة تكاليف نظام المليشيات الخاص به فانتقلت تكلفة استيراد القمح ومعها الجوع إلى المدن.

كانت السلطة الانتقالية قائمة على تسوية بين المتظاهرين ونظام البشير الأمني. وكان أحد الاهتمامات الرئيسية لرجالات الأمن هو الحفاظ على مرتباتهم، وبنوكهم، وسيطرتهم على الصادرات. وقد عنى ذلك أنه كان على الحكومة الانتقالية الإتيان بالنقد الأجنبي المطلوب للاستيراد مع استمرارها في توجيه موارد البلاد الإنتاجية نحو الدعم الكبير المدفوع لـ”لمخلفات المخلوع”. كان على المدنيين تحقيق المستحيل الذي لم يستطع مكر البشير تحقيقه. كانت الاستفادة من الدعم الدولي هي البديل الرئيسي المتاح للمدنيين، حيث نال المتظاهرون تقديراً واسعًا بسبب إسقاطهم لرئيسٍ مدعومٍ بنظام مليشيات السودان ذي الطراز العالمي، أصّر المانحون والمؤسسات المالية الدولية على إجراء إصلاحات في الاقتصاد الكلي، فقد كان لنظام البشير ديون ضخمة، موروثة من أنظمة سابقة، وغير مسددة. إضافة إلى فاتورة واردات تساوي ضعف قيمة صادراته، ولم يستطع النظام جلب عملة أجنبية تمول فاتورة وارداته وتدعم الجنيه السوداني، فقام البشير بطباعة العملة لتمويل إنفاقه في السودان، دافعاً التضخم للأعلى. واستورد البشير الوقود[9] والقمح (غذاء السودان الحضري) ودعم أسعارهما عبر خفض أسعار صرف، والدفع المباشر للمطاحن والمخابز. تجمع التجار السودانيون -المرتبطون عادةً بالقوات الأمنية- للاستفادة من الدولارات الرخيصة المنتشرة حول [استيراد] الوقود والقمح. لم يكن المانحون على استعداد لتمويل نظام دعم مالي يوجه الأموال لتجار الجيش، مع أن دعم الوقود والقمح وإجراءات العملة المعقدة خلفهما حدت من الضغوطات على مدخولات الأسر.

كان المانحون، على كل حال، مؤمنين بالمنطق الذي يرى أن الدول المكتفية هي فقط الدول المسموح لها بدعم الطعام. وفي 2020، قامت الحكومة المدنية بالتخلص من دعم الوقود وخفضت دعم القمح بشكل كبير. وفي 2021 قام جبريل إبراهيم بتعويم الجنيه السوداني. تبع ذلك تضخم مرعب، وفي منتصف الصيف أصبح معدل التضخم في السودان ثلاثة أضعاف نظيره في لبنان وحوالي عشرة أضعاف نظيره في اليمن. يُقدّر أن 21 مليون شخص أصبحوا مُعَرّضِينَ لمستويات كارثية من عدم الأمن الغذائي. وعدت الحكومة ببرنامج مؤقت للتحويلات النقدية، [يمنح فيه] كل شخص خمس دولارات في كل شهر، لمساعدة الأسر على التكيف [مع الوضع الاقتصادي]، ولكن وعلى عكس دعم الطعام، تتطلب التحويلات النقدية نظام استهداف معقد وإمكانيات بيروقراطية منتشرة عبر مناطق شاسعة، [نجدها] في السودان محكومةً بشكل كبير من قبل المليشيات. وصل نظام التحويلات النقدية إلى حوالي مليون أسرة فقط في 12 ولاية، ولم تستلم العديد من الأسر سوى تحويلٍ واحدٍ فقط حتى الآن.

من المتوقع أن يُوقف الانقلاب وصول الدفعات التمويلية المرتقبة من الشمال العالمي الى السودان تلك التي كان من المفترض أن تضمنها الإصلاحات الاقتصادية. سيحتاج الجيش إلى إيجاد مصادر رأس مال جديدة موالية للديكتاتوريين لم يجدها البشير نفسه عندما احتاج إلى النفاذ بجلده. كما أن أي مسار للعدول عن الانقلاب سيحتاج إعادة نظر في الإصلاحات التي كانت محل إجماع داخل السلطة الانتقالية. فقد صرح جبريل إبراهيم بأنهم سيحسنون التنافسية، وأثنى قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان على الإصلاحات في أول مؤتمر صحفي له بعد انقلاب أكتوبر 2021. أما بالنسبة للقيادة المدنية، التي كانت الوسيط الذي صنع علاقة السودان الجديدة بالدائنين والمانحين والمؤسسات المالية الدولية، فقد جعلتهم هذه الإصلاحات ضروريين للسلطة الانتقالية، فمن دونهم لا يمكن للسودان الحصول على العملة الأجنبية الضرورية لإدارة عملته المعومة. ولكن، وعلى الرغم من أن القيادة المدنية دعمت الإصلاحات، فقد كانت أيضاً أكبر المتضررين منها، حيث أتعست الإصلاحات ملايين الأسر السودانية بلا هوادة، ووترت العلاقة المهمة بين المدنيين ومصدر شرعيتهم المتمثل في المتظاهرين الذين قادوا ثورة 2019، وانتظم العديد منهم حينها في لجان مقاومة محلية كانت جذور تكوينها كامنة في مظاهرات حضرية ضد إجراءات رفع الدعم في الفترة من 2012 وحتى 2014، حين خسر السودان أغلب عائداته النفطية وواجه أزمة غذاء سابقة.

طاقات ثورية

على الرغم من كل ذلك، لم تتردد لجان المقاومة للحظة بعدما اعتقل البرهان القادة المدنيين، فقد توجهت مباشرة إلى الشوارع لمواجهة القناصين بالعصيان المدني والاعتصامات، وأعضاؤها مليئون بالثقة التي نالوها بسبب دورهم الحاسم في ثورة 2019، فما هي الدروس التي يجب أن ينتبهوا لها في هذه اللحظة المرعبة؟

بعد ثلاث سنوات من ثورة أكتوبر 1964، التي قام فيها متظاهرون حضريون بإسقاط أول دكتاتوريّ سودان ما بعد الاستقلال، جادل عبد الخالق محجوب، أبرز مثقفي السودان الماركسيين، بأن الثورة ستنجح فقط إن استطاعت دمقرطة الريف السوداني. وفي ذلك الوقت هزم الحزبان الكبيران الثورة في السودان، وكانا مرتبطين بمصالح تجارية تنهب فائض [القيمة] الناتج من الريف، كما أنهما كانا قادرين على استخدام مكانتهما الدينية لحشد الدعم الريفي وإقصاء المثقفين والاتحادات العمالية التي قادت الثورة. لم يستطع عبد الخالق إيجاد صيغة لدمقرطة الريف، واستخدم مصطلح “الديمقراطية الشعبية” لوصف المستقبل الذي لم يستطع أن يراه بعد.

لجان المقاومة في موضع مشابه اليوم، فهم يحتاجون لربط ممارستهم السياسية بالسياسة الريفية التي شوهها نظام المليشيات. ربما لا يستطيعون رؤية المستقبل بعد، ولكنهم طوروا ممارسةً ثوريةً جديدة: وهي استخدام لجنة مقاومة الحي لتعبئة سكان الحضر في مواجهتهم مع القوات الأمنية كوحدة للحشد من مناورة وتنسيق اللوجستي، وتوعية سياسية. اليوم، تقف لجان المقاومة في الجبهة الأمامية لمعارضة انقلاب البرهان.

حتى الآن، نجحت لجان المقاومة بفاعلية في تحويل الطاقات السياسية إلى فعل جماعي، فقد دخل آلاف الفتيان والفتيات الشباب في الصراع السياسي عبر هذه التنظيمات المفتوحة أفقية الهيكلة. فوفرت اللجان مساحات لأشكال جديدة من التضامن بين القواعد الحضر التي تم تجزئتها عبر نظام سوق [حر] سلطوي: كطلاب الجامعات المتمرسين في أركان النقاش والقادمين من الطبقات الوسطى ذات الدخل الجيد، وعمال اليومية الذين يقتلعون معيشتهم من وظائف غير مستدامى، والعمال الصناعيين الفقراء، وعطالى الخريجين، وعمال البناء، وعمال المناجم، والحرفيين والباعة المتجولين وبسطاء التجار.

ساعدت اللجان كانسي طرق الخرطوم وجامعي قمامتها، الذين كانوا موظفين بعقود قصيرة المدى لدى شركة مملوكة للدولة، على تنظيم إضرابات في ديسمبر 2020 ويوليو 2021، للمطالبة بعقود دائمة وبإدراجهم في نظام مرتبات الحكومة الرسمي. ونظّم الباعة المتجولون بالخرطوم وأمدرمان مسيرات احتجاجية في يوليو وأغسطس 2021 ضد أوامر الإخلاء التي أصدرتها سلطات الولاية. ظهرت لجنة مقاومة بين باعة الطرق الموجودين في السوق العربي، منطقة السوق في وسط الخرطوم، وشرح أحد قادة اللجنة لوسائل الإعلام في أكتوبر أن صفوفهم تضم طلاباً فقراء وخريجين لا يملكون وسائل أخرى لكسب رزقهم. تُظهر هذه الإنجازات أن لجنة المقاومة هي شكل يمكن أن يؤقلم نفسه مع القطاع الاقتصادي الحضري غير الرسمي.

أثبتت هذه الكتلة الثورية أنها غير قابلة للإرهاق أو الارتشاء أو الهزيمة على الرغم من الإرهاب الدموي الذي واجهته في سبتمبر 2013، ومرة أخرى في مظاهرات 2018-2019 التي أسقطت البشير، ومجدداً في مجزرة 3 يونيو 2019، عندما قتلت قوات الدعم السريع واغتصبت العشرات وربما المئات من المتظاهرين. قبلت هذه الكتلة الثورية التسويات الضرورية لتشكيل سلطة 2019 الانتقالية وبرغم الإحباط الناتج عن التشظي في قوى الحرية والتغيير والتكلفة الهائلة للإصلاحات الاقتصادية وجدت هذه الكتلة الطاقة اللازمة لمواجهة المنظومة الأمنية بعد انقلاب أكتوبر 2021.

إن الدليل على النجاح الجامح للجان هو تكاثرها في مدن السودان الصغيرة وما جاورها. ففي أوج مظاهرات 2018/19 تمكنت فتيات وفتيان شباب من قرى غير مسموع بها في الجزيرة وكردفان من تسجيل أسماء قراهم في الخريطة القومية عبر إعلان تكوين لجانهم المحلية. فعلى سبيل المثال في [محلية] أم دم حاج أحمد الموجودة في الشمال الشرقي لمدينة بارا في كردفان، استغلت لجان المقاومة اللحظة الثورية للتفاوض مع شركة الاتصالات العملاقة سوداني لتدفع إيجار الأرض المنصوص على توجيه عائده إلى أندية الشباب والرياضة المحلية.

وفي الجزيرة، المنطقة الزراعية المركزية في السودان، وفر نموذج لجان المقاومة قدرات تنظيمية جديدة لأجيال من العمال الزراعيين عديمي الأرض الذين يعملون في مستوطنات زراعية تعرف بالكنابي (اسم جمع مشتق من الكلمة الانجليزي camp التي تعني مخيم) والتي تحيط بقرى الجزيرة. بالنسبة لساكني الكنابي فإن المواطنة في السودان “الجديد” الموعود مبنية على المطلب الأساسي المتمثل في ضمان حقوق امتلاك للأرض جوار أصحاب أراضي قلقين. انتشرت لجان المقاومة في أقل الأماكن توقعاً كمزارع نهر القاش الموسمي بكسلا، وهو مشروع رأسمالي زراعي يعود إلى عام 1870، والزريبة، إحدى مراكز التعلم الصوفي والأعراف الأبوية في كردفان. وعميقاً في منطقة نيرتتي في جبل مرة بدارفور، نظم ناشطو لجان المقاومة اعتصاماً استمر لأسابيع في يوليو 2020 مطالبين بحظر الأسلحة وحماية مزارعهم ومواشيهم من عصابات النهب. حاول متظاهرو القرن العشرين الحضريين استخدام العديد من الطرق ليربطو أنفسهم بالريف السوداني: حيث كانت هنالك حركة [ماركسية] ماوية قصيرة العمر في كردفان، حاولت جذب الفلاحين إلى صراع هيمن عليه البروليتاريا الحضريون. وزارت وفود من الطلاب الحضريين شباب القرى الطرفية. فانتصار الثورة، كما عبر عنه عبد الخالق محجوب، قد يكمن في قدرة لجان المقاومة على ربط الصراعات متعددة الجوانب التي يواجهها كلٌ من الحضر والريف. حتى تصبح حربةً ديمقراطيةً داخل الريف السودانيّ المحكوم بالمليشيات.

ربما لا يعلم ثوار اليوم ما هم بصدد خلقه بالضبط عبر تفعيل لجان المقاومة، فعلى الأغلب لم يعِي البشير تماماً ما كان يخلقه عندما كوّن المليشيات النيوليبرالية الريفية حتى أصبحت قوة ممتدة من أراضي المعارك في دارفور وعبر البحر الأحمر حتى اليمن. لذلك، من الجدير لنا في الوقت الراهن، أن نتأمل التضحيات الجليلة التي يقدمها مراهقون في شوارع الخرطوم، أو في نيرتتي البعيدة وهم يواجهون سلطةً أمنيةً قمعيةً عازمةً على الانتقام ومتصلة الآن بنظام أمنيّ يشمل أبو ظبي والقاهرة وتل أبيب والرياض وواشنطن. ربما لا يكون لدى هؤلاء الشباب الكثير ليخسروه، ولكن نحن وبقية العالم قد نخسرهم.

“اللجنة في مجتمع تقليدي: عن التحديات التي تواجه اللجان في ريف تقليدي ومدينة متريفة”

تعقيب المترجم محمد الكامل محمد على المقال

 

تمثل لجنة المقاومة الأداة التي أنتجها ثوار السودان، من واقع ممارستهم العملية، لتنظيم أنفسهم وفعلهم المقاوم. وكما ذكر المقال فقد قامت فئات اجتماعية ذات خلفيات مختلفة باستخدام لجنة المقاومة كأداة للتنظيم والفعل الثوري، حيث ظهرت اللجنة في أحياء العاصمة والمدن الكبيرة في 2013 وأصبحت تنظيماً شائعاً فيها خلال ثورة 2019، ومن ثم نجحت بعد ذلك، كما ذكر المقال، في الانتقال إلى فئات مختلفة عن تلك الموجودة في قلب المدن، كسكان أطراف المدن العاملين بالقطاع الاقتصادي غير الرسمي، وسكان الريف. وبالفعل فإنّ هذه الظاهرة تشكل تغييراً جذرياً في الممارسة السياسة بالسودان ولكنها لازالت مواجهةً بالعديد من التحديات التي تستوجب مزيداً من التنظير والتعلم بالممارسة.

فعلى الرغم من ظهور اللجنة في مجتمعات ريفية أو مجتمعات تقع على هامش الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالمدن، فإن اللجنة لم تنتشر بعد بحيث تصبح تنظيماً شائعاً لإدارة المقاومة فيها، حيث تواجه اللجان مجموعة كبيرة من التحديات التي تعيق عملها كأجسام مدنية حديثة في هذه المجتمعات، وبالأخص الريفية منها، بسبب تقاطع الفعل السياسي والنضال الاجتماعي في الريف السوداني وامتداده المديني مع عناصر تركيبه التقليدي بشكل كبير، وتحديداً مع الطائفة والقبيلة والإثنية؛ نتيجةً لارتباطهم بالسكن والإنتاج في المجتمعات الريفية التقليدية [1]، وينتقل هذا الارتباط إلى المدن السودانية وغيرها من المدن العربية بسبب طبيعة نشأة هذه المدن. في هذا التعقيب، سأحاول توضيح طبيعة هذا التقاطع بين الفعل السياسي في الريف وتركيبته التقليدية، وامتداده إلى المدينة، وأثر ذلك على تنظيمات المجتمع المدني الحديثة كلجان المقاومة والنقابات، مع أخذ تجارب لجان المقاومة والتنظيمات المهنية بمدينة بورتسودان كنموذج عملي على هذا الأثر، كما سأستعرض تجربة لجان المقاومة بولاية النيل الأبيض في التعامل مع هذه التحديات.

عند النظر إلى الأرياف، نجد أن السكن والإنتاج الاقتصادي يرتبطان بالقبيلة فيها بشكل كبير، وبالأخص في المجتمعات الزراعية والرعوية. ففي العديد من المجتمعات الزراعية السودانية، ترتبط رقعة الأرض (التي تشكل مكان السكن ومكان الإنتاج الاقتصادي الزراعي أيضاً) بالقبيلة بشكل أو بآخر، كما تشكل القبيلة (أو وحدات تحتها) وحدة التنقل في أغلب المجتمعات الرعوية بالسودان [2]، وبسبب هذا الارتباط يتأثر أي فعل سياسي أو نضالي يخاض عبر تنظيم حديث في الريف بالقبلية؛ لأن أغلب التنظيمات الحديثة التي يخاض عبرها العمل السياسي كالحركات المسلحة والأجسام المهنية والفئوية ولجان الأحياء ترتبط بشكل أو بآخر بالسكن في رقعة جغرافية محددة أو بالعمل في نشاط معين. ولذلك، وحتى عندما يخاض الصراع الاجتماعي في الريف عبر تنظيمات حديثة أو باسم أيديولوجيات حديثة، فإنه عادة ما يتحول ليأخذ طابعاً قبلياً/إثنياً ولو بعد حين.

يشكل انقسام الحركات المسلحة في أطراف السودان المختلفة بحسب الخلفيات القبلية/الإثنية لأعضائها أحد أوضح الأمثلة على هذه الظاهرة. فعلى الرغم من نشأة هذه الحركات كمجموعات مسلحة ذات مشاريع قائمةٍ على مخاطبة مظالم سياسية واقتصادية واجهتها أقاليم جغرافية واسعة ومتعددة الإثنيات، أو مشاريع سياسية ذات تصورات محددة لشكل الدولة السودانية الحديثة، فإن هذه الحركات تنقسم بعد ذلك عادةً بحسب الخلفيات القبلية/الإثنية لأعضائها، ويمكن أخذ انقسام الحركة الشعبية بعد انقلاب ناصر إلى فصيلين يعبر إحداهما عن الدينكا والآخر عن النوير [3]، وانقسام جيش تحرير السودان إلى فصيلي عبدالواحد المعبر عن الفور وفصيل مني أركو مناوي المعبر عن الزغاوة [4] كأمثلة على ذلك.

تنتقل ظاهرة تأثير القبيلة/الإثنية على التنظيمات الحديثة لكثير من المدن السودانية ويمكن فهم ذلك بالعودة لمفهوم المدينة المتريفة الذي درسه الباحث السعودي متروك الفالح عند استعراضه لمجموعة من المدن العربية وطبيعة تقسيم الأحياء السكنية والمهن فيها، وثم استخدمه لتحديد شكل تأثير طبيعة هذه المدن على طبيعة التنظيمات الحديثة التي تنشأ فيها. فبعد دراسته لمجموعة من المدن العربية، وجد متروك أن أحياء العديد من هذه المدن مرتبطٌ بمجموعات إثنية وقبلية محددة؛ نتيجةً للطريقة التي توسعت بها هذه المدن سكانياً، وبالمثل، ترتبط العديد من المهن وأنماط الإنتاج الاقتصادي المدينية في العالم العربي بمجموعات إثنية أو طائفية. وبذلك تشكل المدينة العربية امتداداً للريف، بدلاً من الحالة الشائعة في المجتمعات الحديثة التي تطغى فيها المدينة بثقافتها واحتياجها الاقتصادي على الأرياف. ويجادل متروك بأن هذه الظاهرة تمثل عائقاً أمام نشوء المجتمع المدني بمعناه المعهود في العديد من الدول العربية [5].

يلاحظ متروك أن نشأة المدن الأوروبية ارتبطت بتحولات اقتصادية واجتماعية ناتجة عن عملية التحول الرأسمالي الصناعي التي حدثت في أوروبا خلال عصر النهضة، مما أدى إلى تبني هذه المدن لمنظومات ثقافية وفكرية وسياسية محددة أطرت علاقتها مع الريف ومع جهاز الدولة، وساهمت في طغيان قواها ومنظومتها عليهما. فقد تركزت عملية التحول الرأسمالي الصناعي في المدن بشكل رئيس عند بدايتها، مما أدى إلى ارتباط أغلب القوى الاجتماعية الناشئة عن عملية التحول الرأسمالي كالطبقة البرجوازية والطبقة العاملة بالمدينة. وأتت هذه القوى حاملةً لمجموعة من القيم الفكرية والثقافية والسياسية التي كان من ضمنها أفكار المواطنة والتعددية وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، ومثلت هذه المنظومة نقيضاً لنظيرتها الموجودة في الأرياف.

يواصل متروك بقوله إن المدينة توسعت تدريجياً لتطغى على الريف ولتخضعه لمنظومتها الاقتصادية والسياسية والثقافية. ففي بداية القرن الثامن عشر بدأ القطاع الصناعي والحضري بأخذ ثقل كافٍ ليبدأ بالتوسع من المدن الكبيرة تجاه الأرياف والقرى، مما مكن المدينة من تغيير أنماط الإنتاج الاقتصادي في الريف وإخضاعه لاحتياجاتها، ويمكن رؤية ذلك مثلاً عند ملاحظة أن ثلث سكان الريف في فرنسا أصبحوا يكتسبون معيشتهم من خلال التصنيع والخدمات والنشاطات غير الزراعية بحلول نهاية القرن الثامن عشر. أدى هذا التوسع الحضري إلى تعميم المنظومة الاقتصادية والقيمية للمدينة على الريف، أي إلى “تمدين الريف”.

وبالمقابل، يجد متروك أن التوسع الحضري الذي حدث في العالم العربي لعب دوراً معاكساً تم فيه ترييف المدن عوضاً عن تمدين الأرياف. فعلى الرغم من زيادة نسب التحضر في العالم العربي بشكل كبير منذ منتصف القرن الماضي، فإن هذا الزيادة لم تكن عبارة عن زيادة في سكان المدن ذاتهم، فقد كان النمو السكاني الطبيعي بينهم بطيئاً، ولكن كانت هذه الزيادة ناتجةً عن هجرة العديد من سكان الأرياف إلى المدن. وبعد ملاحظته للتركيب الديمغرافي لمجموعة كبيرة من المدن العربية، يجد متروك أن عدداً كبيراً من الأحياء العربية يمثل مناطق لسكن مجموعات قبلية أو طائفية أو إثنية بعينها، وتتوزع العديد من المهن وأنماط الإنتاج الاقتصادي بشكل مماثل.

فعلى سبيل المثال، عند حديثه عن العراق، يُورِد متروك ملاحظات لأكاديميين أجرى مقابلات معهم يؤكدون فيها أن العديد من أحياء بغداد مرتبط بمجموعات طائفية أو إثنية/قبلية محددة، بل إن الأمر يمتد لدرجة ارتباط شوارع محددة بمجموعات بعينها. فمثلاً يرتبط حي الأعظمية بمجموعات سنية، بينما يرتبط حي مدينة صدام بمجموعات من الشيعة، بينما تتوزع مجموعات أخرى كالأكراد في أحياء أخرى. وبأخذ العاصمة التونسية تونس كمثال آخر، يلاحظ متروك أن بعض أحيائها الشمالية الشرقية يسكنها متقاعدون من أجهزة عسكرية أو حكومية، من المهاجرين قديماً من الجنوب التونسي، بينما تسكن أحياء جنوب مجموعات ذات دخول متوسطة من القيروان أو صفاقس، أما الشمال الغربي للمدينة فسكانه ذوي دخل محدود من المثاليث ومنطقة جندوبة، أما وسط تونس فسكانه أصحاب مهن بسيطة من أنحاء مختلفة من تونس الدولة، ويستمر متروك بسرد أنماط مماثلة بتونس وبقية الدول العربية.

نتيجةً لكل ما تم ذكره، يجادل متروك بأن بنية المدن العربية المتريفة وقواها الاجتماعية المتمثلة في الطبقة الوسطى في المدن العربية “غير قادرة على أن تلعب الدور نفسه الذي لعبته المدن الأوروبية في نشأة مؤسسات المجتمع المدني وتكويناته وتطورها، واحتضان حركته على نحو فعال اتجاه المسألة الديمقراطية”.

وحتى وإن بدى لنا الحكم الذي توصل إليه متروك عنيفاً أو متعارضاً مع طبيعة حراك ديسمبر الممتد في كل ربوع السودان، فإنه يمثل إطاراً نظرياً فعالاً لفهم الإشكالات المصاحبة لنشأة مؤسسات المجتمع المدني في بيئات تظل بشكل أو بآخر متريفة، حيث تظهر هذه الإشكالات بوضوح عند رؤية تجارب بناء اللجان وغيرها من تنظيمات المجتمع المدني الحديث في الريف السوداني والمجتمعات الطرفية للمدن السودانية بل وحتى في قلب بعض المدن الكبيرة.

يمكن ملاحظة ظاهرة ترييف المدن وأثرها على تنظيمات المجتمع المدني السوداني عند النظر إلى حالة مدينة بورتسودان. وبالاستناد على المعلومات التي قدمها السيد خالد محمد نور، في المؤتمر التمهيدي الأول لمركز تأسيس حول “تجارب التنظيم في المجتمع المدني السوداني بعد عامين ونصف من الثورة: الواقع، والتحديات، والمستقبل”، نجد أن معظم أحياء بورتسودان مرتبطٌ بمجموعات قبلية أو إثنية محددة، وبالمثل فإن عدداً من المهن مرتبطٌ بمكونات اجتماعية معينة كما يظهر جلياً في نظام الكلات المستخدم لإدارة ميناء المدينة، بل إن هذا الارتباط القبلي يزيد من الروح التضامنية بين العاملين بالميناء. بينما يُصعِّب ارتباط الأحياء بالقبائل من عمل لجان المقاومة خصوصاً عند تعاملها مع حالات الاقتتال الأهلي، فبحسب خالد، نتيجةً للارتباط المسبق للقبائل بالأحياء؛ دائماً ما يفهم موقف اللجنة على أنه موقف القبيلة التي تقطن الحي، رغم محاولة أعضاء اللجان العمل كجسم مدني حديث ومحايد. وبذلك تشكل النقابة تنظيماً أقل كفاءةً من القبيلة أو منضوياً تحتها في عدد من الأنشطة الإنتاجية، بينما تفقد اللجنة قدرتها على العمل أمام القبيلة بسبب ارتباط الأخيرة بالسكن المُحدّد لطبيعة اللجنة.

كيف يمكن التعامل مع تحدٍ مثل هذا؟ وكيف يمكن لتنظيمات مدنية حديثة التعامل مع هذه البنية التقليدية الموجودة في الريف السوداني والمنتقلة إلى المدينة السودانية المتريفة؟

يحتاج التعامل مع هذا التحدي إلى مزيد من البحث والتعلم بالتجربة والممارسة. ولكن إحدى التجارب التي يمكن أن تطرح كمسار مقترح ومبشر للحل هي التجربة التي خاضتها مجموعة من لجان المقاومة بولاية النيل الأبيض بإقامة (ملتقى بحر أبيض للحكم المحلي). وهو ملتقى جمع السكان المحليين والإدارات الأهلية بضباط إداريين وأكاديميين وخبراء، وناقش الملتقى مجموعة من القضايا المتعلقة بالحكم المحلي، كهياكل الحكم المحلي والإشكالات الحوكمة المتعلقة به، وعلاقة كل من اللجان والإدارات الأهلية بالحكم المحلي، وشرعت مجموعة من تنسيقيات اللجان بالولاية بعده في وضع تصور لمجالس محلياتها الولائية، كما أشار متحدثون من اللجان في أملهم بأن يساهم الملتقى في معالجة النزاعات التاريخية بين الرعاة والمزارعين بالولاية [6]. ويمكننا أن نأمل بأن هذا النموذج الذي قامت فيه اللجان بمخاطبة القوى التقليدية ومحاولة استيعابها في هياكل قومية حديثة سيشكل أسلوباً جيداً لتحديث العملية السياسية أو حماية اللجان من التأثر بالقوى التقليدية إن تم تكراره وتطويره.

أخيراً، فإنّ استعراض كل هذه التجارب والإشكالات ليس سوى محاولةٍ لإلقاء الضوء على بعض التحديات التي تواجه عمل لجان المقاومة في الأرياف والمدن. فظهور مثل هذه التحديات طبيعي نظراً لحداثة تجربة لجان المقاومة واصطدامها بالتركيب التقليدي للمجتمع السوداني، ولكن حلها والتجاوب معها بشكل فعال يستوجب مزيداً من البحث النظري والتعلم بالممارسة والتجربة. وهو ما نأمل مشاهدته والمشاركة فيه في مقبل الأيام.

————————————————————-

ملاحظات ومصادر ومراجع:

[1] لمزيد من التفاصيل حول تأثير الطائفة والقبيلة والإثنية على المجتمع والسياسية في الريف يمكن مراجعة:

  • Tim Niblock, Class and Power in Sudan: The Dynamics of Sudanese Politics , 1898-1985 (1987)

[2] يمكن ملاحظة ارتباط القبيلة بالأرض الزراعية أو المجموعات الرعوية بوضوح عن النظر إلى المجتمعات الموجودة في إقليم دارفور، وقد رسخ الاستعمار هذا الارتباط بجعله القبيلة وحدة للتمثيل السياسي في نظام الحكم غير المباشر، وتقسيمه للمكونات الموجودة في الإقليم إلى مكونات “محلية” وأخرى “مستوطنة”، ومن ثم ربطه لامتلاك الأرض والتمثيل السياسي بهذا التصنيف. وقد كان هذه المؤسسات الموروثة من الأسباب الرئيسية لاشتعال الأزمة في دارفور لاحقاً، لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة:

  • Mahmoud Mamdani, Saviors and Survivors: Darfur, Politics, and the War

 on Terror (2009)

[3] Douglas H. Johnson, The Root Causes of Sudan’s Civil Wars (2003)

[4] Julie flint, Alex de waal, Darfur: a New History of a Long War (2008)

[5] متروك الفالح، والمجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية: دراسة مقارنة لإشكالية المجتمع المدني في ضوء ترييف المدن (2002)

[6] العدد الثاني من مجلة صوت الثورة، تقرير بعنوان: “ملتقى بحر أبيض للحكم المحلي: هل يعالج مشكلات النيل الأبيض الموروثة منذ الاستقلال؟”

[1] تمت ترجمة هذا المقال من نسخته الأصلية في منصة Debate Ideas-African Arguments، بموافقة أصحاب المنصة، للاطلاع على النسخة الأصلية:

https://africanarguments.org/2021/11/creatures-of-the-deposed-connecting-sudans-rural-and-urban-struggles/

[2] عمل كباحث في شؤون السودان وجنوب السودان لمدة 15 عاماً، وله عدة مؤلفات عن البلدين

[3] أكاديمي سوداني يعمل بمعهد وادي الأخدود العظيم، ويكتب بانتظام في الشؤون السودانية

[4] https://netblocks.org/reports/internet-disrupted-in-sudan-amid-reports-of-coup-attempt-Q8ov93yn

[5] https://twitter.com/GebreilIbrahim1/status/1454332307859513344

[6] https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/darfur-armed-groups-declare-immediate-humanitarian-ceasefire

[7] الكولتان معدن مستخدم في صناعات تكنولوجية متقدمة كصناعة الهواتف الضوئية ومحركات الأقراص الضوئية، وتنتجه عدة دول أفريقية من أبرزها الكونغو الديمقراطية، إذ يرتبط إنتاجه وتهريبه بالحرب الأهلية في الكونغو (المترجم).

[8] يعني التعهيد الخارجي في هذا السياق منح الممتلكات العامة المملوكة للدولة أو الخدمات العامة التي تديرها لشركات خاصة بغرض الربح (المترجم).

[9] https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/PNAAX842.pdf

Previous Article

The pawn who became king: How has ...

Next Article

Guinea must put justice at the heart ...

Edward Thomas and Magdi el Gizouli

Edward Thomas has lived and worked in Sudan and South Sudan for over eight years. He worked as a teacher, researcher and human rights worker for Sudanese and international organizations. Over the past five years, he has written numerous books, reports and articles about South Sudan and its neighbours. Magdi el Gizouli is a Sudanese academic and fellow of the Rift Valley Institute. He writes on Sudanese affairs, often on his blog StillSUDAN and is currently working on a book project together with Edward Thomas on Islam and market authoritarianism.

Leave a reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

  • Politics

    Europe in the Congo: high ambitions, big money, limited impact – By Kris Berwouts

  • Politics

    BRICS summit 2013: supportive pillars added to a nebulous grouping – By Simon Freemantle

  • CameroonPolitics

    Cameroon sabotages own digital economy plan with internet shutdown

Subscribe Now


About

Debating Ideas is run separately from the main African Arguments site. It aims to reflect the values and editorial ethos of the African Arguments book series, publishing engaged, often radical, scholarship, original and activist writing from within the African continent and beyond.

It offers debates and engagements, contexts and controversies, and reviews and responses flowing from the African Arguments books.

Get in touch

[email protected]

Follow IAI on twitter

  • 81.7K+
    Followers

Brought to you by


Creative Commons

Creative Commons Licence
Articles on African Arguments are licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 4.0 International License.
  • Cookies
  • Privacy Policy
  • Terms & Conditions
  • en English
    am Amharicar Arabicny Chichewazh-CN Chinese (Simplified)en Englishfr Frenchde Germanha Hausait Italianpt Portuguesest Sesothosn Shonaes Spanishsw Swahilixh Xhosayo Yorubazu Zulu
© Copyright African Arguments 2020
By continuing to browse this site, you agree to our use of cookies.
en English
am Amharicar Arabicny Chichewazh-CN Chinese (Simplified)en Englishfr Frenchde Germanha Hausait Italianpt Portuguesest Sesothosn Shonaes Spanishsw Swahilixh Xhosayo Yorubazu Zulu